أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

انقسام الغرب!

تداعيات انتخاب فتحي باشاغا رئيساً للحكومة الليبية الجديدة

15 فبراير، 2022


صوّت مجلس النواب الليبي، في جلسته المنعقدة في 10 فبراير الجاري، على اختيار وزير الداخلية السابق، فتحي باشاغا، رئيساً للحكومة الجديدة، خلفاً لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة، عبد الحميد الدبيبة. ورفض الدبيبة ما قام به البرلمان مؤكداً أنه لن يسلم السلطة إلا بعد إجراء الانتخابات البرلمانية. 

وضع خريطة طريق جديدة  

جاءت خطوة اختيار فتحي باشاغا رئيساً للحكومة الجديدة في إطار العديد من التطورات التي شهدها الملف الليبي خلال الأيام الأخيرة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي: 

1- اختيار باشاغا رئيساً للحكومة: أعلن البرلمان الليبي، في 10 فبراير الجاري، اختيار وزير الداخلية السابق، فتحي باشاغا، رئيساً للحكومة الجديدة، حيث صوّت أعضاء البرلمان بالإجماع على منحه الثقة. وكشف رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، أن اختيار باشاغا جاء بعد انسحاب المرشح المنافس له، خالد البياص، فضلاً عن الحصول على تزكية مجلس الدولة. ومن المفترض أن يبدأ باشاغا في مرحلة تشكيل حكومته وعرضها على البرلمان خلال 15 يوماً للحصول على ثقته.

وكان مجلس النواب الليبي، في جلسته المنعقدة في 25 يناير الماضي، أعلن انتهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية. وفي 7 فبراير الجاري، أعلن رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، أن هناك سبعة مرشحين قدموا أوراقهم ترشحهم، بيد أن هناك خمسة منهم تم استبعادهم لعدم استيفاء الشروط.

2- تعديل الإعلان الدستوري: أعلن رئيس مجلس النواب، في 10 فبراير الجاري، عن تصويت أعضاء المجلس بالأغلبية على تعديل الإعلان الدستوري الذي كان قد تم وضعه في 2017، حيث نصت هذه التعديلات على تشكيل لجنة من 24 عضواً من الخبراء ممثلين للأقاليم الثلاثة، يتم اختيارهم من قبل مجلسي النواب والدولة، تتولى مراجعة الدستور الذي تم وضعه من قبل الهيئة التأسيسية، تمهيداً لطرحه على الاستفتاء. 

وكانت جلسة البرلمان المنعقدة، في 7 فبراير الجاري، تضمنت إقرار أعضاؤه بالإجماع خريطة الطريق التي وضعتها لجنة "خريطة الطريق"، والتي تنص على إجراء الانتخابات خلال مدة لا تتجاوز الـ 14 شهراً، من تاريخ تعديل الدستور.

3- تأييد شرق وغرب ليبيا: أعلنت قيادة الجيش الوطني الليبي ترحيبها بقرار البرلمان باختيار باشاغا رئيساً للحكومة الجديدة، فيما التزم المجلس الرئاسي بموقف الحياد حيال هذه التطورات، حيث أعلن رئيسه بأن أساس الأزمة الراهنة هو قانوني ودستوري بالأساس، وأن الحل الوحيد يتمثل في إجراء الانتخابات. أما بالنسبة لمجلس الدولة، فعلى الرغم من عدم صدور أي موقف رسمي، بيد أن عقيلة صالح أعلن أنه حصل على تزكية من قبل مجلس الدولة بشأن اختيار فتحي باشاغا.

موقف دولية وإقليمية متباينة:

يلاحظ أن أغلب المواقف الدولية، إما أنها تحاشت تبني رد فعل واضح، أو أن تصريحاتها تضاربت، في حين أن الموقف المصري كان الأكثر حسماً باتجاه تأييد خطوة مجلس النواب والدولة، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- تردد أممي وأمريكي: أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، عن استمرار الدعم لعبد الحميد الدبيبة رئيساً للحكومة الليبية، وذلك قبل أن يتراجع عن هذا الموقف، في 11 فبراير، للتأكيد على أن قرار تكليف رئيس حكومة جديد في ليبيا كان وفق الإجراءات القانونية، وهو قرار سيادي ليبي، وهو ما يعني تخليه عملياً عن الدبيبة. 

ومن جانبها، تراجعت المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، عن موقفها الرافض لتنحية الدبيبة، فبعد أن شددت على تمسكها بحكومته، ورفض فكرة تشكيل حكومة جديدة، فإنها أبدت موافقة مشروطة عليها، إذ أعلنت أن قرار تغيير الحكومة هو أمر سيادي بيد المؤسسات الليبية، غير أنها طالبت بضرورة تحقيق الإجماع السياسي، وهو ما قد يشير إلى التفاهمات بين مجلسي النواب والدولة. 

وفي المقابل، كان السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، قد حذر في وقت سابق من إمكانية فرض عقوبات دولية على معرقلي المسار السياسي في ليبيا، في إشارة إلى التحركات الأخيرة لتشكيل حكومة جديدة، غير أن الولايات المتحدة لم تعلن عن أي موقف رسمي عقب إجراءات مجلس النواب الأخيرة، وهو ما يعني أن واشنطن تترقب الموقف، وتدرس فرص نجاح باشاغا في تشكيل الحكومة القادمة، وهو ما يعني أنه في حالة نجاح باشاغا في تشكيل هذه الحكومة، فإنها سوف تعترف به.  

2- دعم مصري لقرار البرلمان: أعلنت الخارجية المصرية، في 10 فبراير، عن تثمينها دور المؤسسات الليبية، بما في ذلك ما اتخذه البرلمان من مشاورات مع مجلس الدولة، باعتبار أن مجلس النواب يمثل السلطة التشرعية المخولة بسن القوانين وإعطاء الشرعية للسلطات التنفيذية، مؤكدةً على استمرار تواصل مصر مع الأطراف الليبية كافة. 

رفض التخلي عن السلطة 

رفض عبدالحميد الدبيبة إقالته من رأس الحكومة الليبية، واتجه إلى تبني السياسات التالية:

1-  رفض الدبيبة الاستقالة من منصبه: اعتبر الدبيبة، في 1 فبراير، أن ما يقوم به مجلس النواب يمثل محاولة يائسة لعودة الانقسام، مشيراً إلى أن حكومته مستمرة في عملها لحين الانتهاء من الانتخابات، كما استبق الدبيبة جلسة تصويت البرلمان بإلقاء خطاب لليبيين، في 8 فبراير الجاري، طالب خلاله الليبيين بالتظاهر والاحتجاج ضد خريطة الطريق التي أعلن عنها مجلس النواب. كما أعلن الدبيبة أنه سيشرع في مشاورات من أجل تقديم خطة عمل بشأن إجراء الانتخابات في يونيو المقبل، في محاولة لعرقلة النواب عن تنفيذ خطته.

2- مزاعم الدبيبة محاولة تصفيته: أعلنت مصادر مقربة من الدبيبة أن الأخير قد تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة، في 10 فبراير الجاري، في خطوة فسرتها الكثير من التقديرات بأنها محاولة من قبل الدبيبة لتعطيل عملية تصويت مجلس النواب على اختيار رئيس الحكومة الجديدة، فضلاً عن مساعيه للترويج لفكرة أن القوى السياسية التي كان قد أعلن أنه يسعى لعدم استمرارهم في المشهد يسعون إلى الإطاحة به حتى من خلال الاغتيال.

3- الاستعانة بالميليشيات المسلحة: زار الدبيبة في 12 فبراير مدينة مصراتة، حيث اتجه إلى الحصول على دعم ميليشياتها في مواجهة قرار مجلسي النواب والدولة، فقد أعلنت 65 كتيبة وتشكيلاً مسلحاً في مصراته رفضها اختيار باشاغا رئيساً للحكومة والتصويت على تعديل الإعلان الدستوري. 

كما وصلت فاقلة مكونة من أكثر من 100 مركبة إلى مدينة طرابلس قادمة من مصراتة، في مؤشر واضح أن الدبيبة لن يتخلى عن الحكم بسهولة. وتجدر الإشارة إلى أن باشاغا توجه هو الآخر إلى مدينة طرابلس لتشكيل حكومة جديدة في 10 فبراير، وهو ما ينذر بإمكانية حدوث اقتتال في طرابلس بين الميليشيات الموالية للطرفين. 

ارتدادات داخلية وإقليمية:

يلاحظ أن إقالة الدبيبة قد تركت تداعيات واضحة على التفاعلات الداخلية في لبيبا، وكذلك على موقف بعض القوى الإقليمية، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:  

1- التوافق بين مجلسي النواب والدولة: أعلن رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، أن البرلمان قد تسلم مؤخراً رسالة من مجلس الدولة، تنطوي على تزكية فتحي باشاغا لتولي رئاسة الحكومة، في مؤشر يعكس بلورة توافقات بين مجلسي النواب والدولة، فقد أعلن رئيس مجلس الدولة، خالد المشري، موافقة المجلس على طلب البرلمان الليبي تغيير الحكومة.

ويلاحظ أن وصول باشاغا إلى رئاسة الحكومة ربما يمهد الطريق للتوافق بين الشرق والغرب الليبي، والإسراع في ملف توحيد المؤسسات الليبية وتشكيل حكومة تمثل الأطراف كافة. ويدعم ذلك ما يحظى به فتحي باشاغا من شبكة علاقات دولية وإقليمية واسعة، فضلاً عن نجاحه في التوصل لتفاهمات مع قوى شرق ليبيا، خاصة خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، إذ اجتمع الرجلان معاً في ديسمبر 2021 في مدينة بنغازي. 

2- انتقال الصراع إلى مصراتة: يلاحظ أن كلاً من باشاغا والدبيبة ينتميان إلى مدينة مصراته، وهو ما قد يتمخض عنه اندلاع مواجهات قوية بين الموالين لكل منهما داخل مصراتة وطرابلس، خاصةً في ظل امتلاك كل منهما عدداً من الميليشيات المسلحة الموالية لهما.

وشهدت الأيام الأخيرة مواقف متابينة بين ميليشيات غرب ليبيا، فقد أعلنت بعضها، في 4 فبراير الجاري، عن رفضها تغيير الدبيبة، مثل ميليشيات لواء الصمود التي يقودها صلاح بادي، بينما أصدرت كتائب وسرايا المنطقة الغربية والوسطى وجبل نفوسة دعمها لمجلس النواب ورئيس الحكومة الذي اختارته. وتشير بعض التقديرات غير المؤكدة إلى أن التيار الإسلامي في ليبيا قد نقل دعمه من الدبيبة إلى باشاغا. 

3- انتكاسة محتملة لتركيا: عقد المسؤولون الأتراك لقاءات خلال الفترة الماضية تهدف بصورة أساسية إلى ضمان بقاء الدبيبة في منصبه، وذلك عبر محاولة حشد الدعم له من جانب قوى الغرب الليبي، ويبدو أن هذه الجهود لم يكتب لها النجاح. وفي المقابل، أشارت مصادر إلى أن هناك تنسيقاً مصرياً – فرنسياً واسعاً جرى خلال الأيام الماضية لتعبئة الدعم الأوروبي والأمريكي لباشاغا.  

مستقبل الحكومة المقالة 

في ضوء التطورات السابقة، يمكن طرح ثلاثة سيناريوهات حول مستقبل حكومة الدبيبة، وذلك على النحو التالي:

1- قبول الدبيبة التنحي: يمكن أن يتجه الدبيبة للتنحي بشكل سلمي عن السلطة وتجنب التصعيد في مواجهة باشاغا، سواء لقلقه من الدعم العسكري الواسع الذي بات يحظى به باشاغا من الشرق والغرب، أو في محاولة للحفاظ على الدعم الشعبي الذي حققه خلال الفترة الأخيرة، والذي يمكن له التعويل عليه في الانتخابات المقبلة. 

ومن جهة أخرى، يمكن أن يكون للمحدد الخارجي دور رئيسي في هذا الإطار، من خلال ضغط حلفاء الدبيبة الخارجيين، خاصة الولايات المتحدة وتركيا، على الدبيبة لتجنب إشعال حرب جديدة تقسم قوى غرب ليبيا، خاصةً أن باشاغا يمكن أن يضمن مصالح مختلف الأطراف الخارجية.

2- عودة الحكومتين المتوزايتين: ينطوي هذا السيناريو على تمسك الدبيبة بالبقاء في السلطة ورفض التنحي. وفي ظل هذا الوضع، فإن باشاغا قد يتجه هو الآخر إلى تشكيل حكومة جديدة، وهو ما يكرس الانقسام هذه المرة بين قوى غرب ليبيا. ومن الملحوظ أن مثل هذا السيناريو قد لا يكون مستقراً، إذ إن الميليشيات المسلحة والتفاعلات الإقليمية والدولية سوف ترجح في النهاية كفة حكومة على أخرى.

3- الانجراف إلى صراعات مسلحة: يعد هذا السيناريو هو الأسوء، وهو الذي يمكن أن يحدث حال تمسك الدبيبة بالسلطة، مع استمرارية الانقسام داخل الميليشيات المسلحة في غرب ليبيا بين باشاغا والدبيبة، وحال اتخذ أي طرف منهما خطوة غير محسوبة عسكرياً يمكنها تأجيج حرب واسعة في طرابلس ومصراتة. 

وفي الختام، لا يزال المشهد الليبي تسيطر عليه حالة من الضبابية. ولم يتضح بعد ما إذا كانت التطورات الراهنة المتعلقة بتشكيل حكومة جديدة يمكن أن يفضي إلى تأجيج الصراعات الداخلية داخل الغرب هذه المرة، أم أنها يمكن أن تعزز الجهود المبذولة لضمان التوحد بين النخب السياسية والعسكرية في الشرق والغرب على حد سواء.